الزكاة في الإسلام: ركنٌ أساسيٌّ لتحقيق التكافل الاجتماعي

تُعَدُّ الزكاة في الإسلام واحدةً من أهمّ الفرائض ، فهي الركن الثالث من أركان الدِّين بعد الشهادتين وإقام الصلاة. تحتلّ الزكاة مكانةً عظيمةً كونها تُرسِّخ مبدأ التكافل والتضامن في المجتمع وتُسهِم في سدِّ احتياجات الفقراء والمحتاجين. كما أنّها ليست عملًا اختياريًا أو صدقةً تطوّعيّة، بل فريضةٌ واجبةٌ على كلّ مسلمٍ يمتلك مقدارًا معيّنًا من المال تجاوز فيه النصاب ومرّ عليه الحول. في هذا المقال، سنُسلِّط الضوء على مفهوم الزكاة، وشروطها، وحِكَم تشريعها، وطرق تطبيقها في المجتمع، مع بيان أثرها في تحقيق الاستقرار والعدالة الاجتماعية.


الزكاة في الإسلام : مفهوم الزكاة وأهميتها

الزكاة في اللغة تعني النماء والزيادة والطهارة، وفي الشرع هي حقٌّ فرضه الله تعالى في أموال المسلمين، يُعطى لفئاتٍ معيّنةٍ تُسمّى “مستحقّي الزكاة”. والحكمة من مشروعيتها تحقيق التوازن الاجتماعي، فلا يبقى المال حكرًا على فئةٍ غنيّةٍ دون أخرى، بل يتداول في أيدي المجتمع ويُستفاد منه في تغطية الحاجات الأساسية للفقراء والمحتاجين.

وقد اتفق جمهور العلماء على أنّ أداء الزكاة فريضةٌ لا تسقط عن المسلم القادر الذي بلغ ماله النصاب ودار عليه الحول. فالنصاب هو المبلغ المالي المعيّن الذي إذا بلغه مال المسلم فإنّ الزكاة تصبح واجبةً عليه. أمّا الحول، فيُقصَد به مرور سنةٍ كاملةٍ هجريّةٍ على امتلاك النصاب. يُستَثنى من ذلك بعض الأموال التي لا تحتاج إلى حولٍ كزرعٍ يُجبى عند الحصاد. قال تعالى في القرآن الكريم:

“وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ” (البقرة: 43)
كما أكّد الرسول الكريم محمّد صلى الله عليه وسلم على وجوب الزكاة ومكانتها بقوله:
“بُني الإسلام على خمس…” وذكر منها “إيتاء الزكاة”.


شروط وجوب الزكاة

لوجوب الزكاة عدّة شروطٍ ينبغي توافرها عند المسلم حتى تصبح الزكاة فريضةً عليه، ويمكن إجمال هذه الشروط في النقاط الآتية:

  1. الإسلام: فالزكاة واجبةٌ على المسلمين دون غيرهم، إذ هي فريضةٌ دينيةٌ تعبّديةٌ يجب أن تُدفع بقصد التقرّب إلى الله تعالى.
  2. الحرية: أي أنّ الشخص الذي تجب عليه الزكاة ينبغي أن يكون حرًّا غير مملوك، فقد كان المملوك في السابق لا يمتلك المال، وإنّما المال لسيده.
  3. البلوغ والعقل: اتفق كثيرٌ من العلماء على أنّ الزكاة لا تجب إلا على البالغ العاقل، لكن هناك رأيًا يقول بوجوب الزكاة في مال الصغير والمجنون إذا توفّرت شروطها، ويقوم الولي بإخراجها نيابةً عنهما.
  4. امتلاك النصاب: وهو المقدار المعيّن من المال الذي إذا بلغه المسلم أصبح عليه إخراج الزكاة. يختلف مقدار النصاب باختلاف أنواع الأموال، مثل الذهب والفضة وعروض التجارة والزروع والثمار.
  5. حولان الحول: مرور سنةٍ قمريّةٍ كاملةٍ على امتلاك النصاب، باستثناء أنواعٍ معيّنةٍ من الأموال كالزرع الذي يُزكّى عند الحصاد.

أنواع الأموال التي تجب فيها الزكاة

تختلف الأموال الزكويّة – أي الأموال التي تجب فيها الزكاة – وفق أحكام الشريعة الإسلامية. ومن أشهر هذه الأنواع:

  1. زكاة النقدين (الذهب والفضة): إذا بلغ الذهب أو الفضة النصاب المعلوم وحال عليه الحول، تجب فيه الزكاة بنسبة ربع العشر (2.5%). ومع تغيُّر أشكال العملات في العصر الحديث، أصبحت النقود الورقية والعملة الرقمية بحُكم النقدين، فتُقاس قيمتها بما يساوي الذهب أو الفضة.
  2. زكاة عروض التجارة: تُجبى من أرباح الأنشطة التجارية والصناعية والخدماتية، فإذا بلغ رأس المال المتداول أو قيمة المخزون النصاب وحال عليه الحول، وجب إخراج زكاةٍ عليه بواقع 2.5%.
  3. زكاة الزروع والثمار: تُجبى وقت الحصاد إذا بلغت النصاب المقرر، وتختلف نسبة الزكاة باختلاف طريقة السقي: فإن كانت تُسقى بماء المطر أو الأنهار بلا كلفةٍ، فتجب فيها العشر (10%)، وإن كانت تُسقى بوسيلةٍ مكلّفةٍ كالآبار، فتجب فيها نصف العشر (5%).
  4. زكاة الأنعام: وتشمل الإبل والبقر والغنم. لكلّ نوعٍ منها نصابٌ مختلف، ولها أحكامٌ محدّدةٌ للزكاة كعددٍ معيّنٍ من البهائم يُخرج حسب النصاب المبلغ.

مصارف الزكاة: لمن تُدفع الزكاة؟

بيّن القرآن الكريم بوضوحٍ الفئات التي تستحقّ الزكاة في قول الله تعالى:

“إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ وَالعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ…” (التوبة: 60)

  1. الفقراء: وهم الذين لا يجدون كفايتهم من الطعام والشراب والكساء.
  2. المساكين: قريبون من الفقراء ولكنّ لديهم أموالًا أقلّ من حاجتهم.
  3. العاملون عليها: الأشخاص المكلّفون بجمع الزكاة وتوزيعها، فيُعطَون نسبةً لقاء جهدهم.
  4. المؤلّفة قلوبهم: الذين يُراد تأليف قلوبهم للإسلام أو تثبيت إيمانهم.
  5. في الرّقاب: تحرير الرقيق والمكاتبين وفكّ الأسرى.
  6. الغارمون: الذين تراكمت عليهم الديون في أمورٍ مباحةٍ وعجزوا عن سدادها.
  7. في سبيل الله: الإنفاق في شؤون الجهاد وأبواب الخير العامة التي تعود بالنفع على المسلمين.
  8. ابن السبيل: المسافر المنقطع عن أهله وعجز عن توفير نفقته في سفره.

هذا التوزيع الدقيق يُظهِر مدى عدالة الشريعة الإسلامية في منح كل فئةٍ ما تحتاجه من مالٍ، بحيث لا تستأثر فئةٌ دون أخرى بالموارد المالية للمجتمع.


حِكَم تشريع الزكاة

جاءت فريضة الزكاة لتحقّق مقاصد عظيمة وتجسّد مبادئ عليا في التشريع الإسلامي:

  1. التكافل الاجتماعي: تدعو الزكاة إلى مدّ جسور التواصل بين الغنيّ والفقير، فينتشر الحبّ والتعاون، ويَحُدّ من ظاهرة الحسد والضغينة بين فئات المجتمع.
  2. تطهير المال والنفس: إذ قال تعالى: “خُذ مِن أموالهم صدقةً تُطهِّرُهم وتُزكّيهم بها…” (التوبة: 103)
    فدفع الزكاة يطهّر مال المزكّي من حقوق الغير، ويُنمّي شعوره بالرضا والإيجابية.
  3. تحقيق العدالة الاجتماعية: بدلًا من تركيز الثروات في أيدي قلة، تسعى الزكاة إلى إحداث توازنٍ ماليٍّ في المجتمع، فيجد كلُّ محتاجٍ يدًا حانيةً تعينه.
  4. تنمية الاقتصاد: بتداوُل الأموال وإخراج جزءٍ منها لمستحقيه، تتاح الفرص الاستثمارية، ويحدث دورانٌ للمال في السوق، فتزدهر الأعمال وتتوفر فرص عملٍ جديدة.
  5. زيادة البركة في الرزق: يؤمن المسلمون بأن من يعطي يُجزى خيرًا ويبارَك له في رزقه، فكلما أنفق في سبيل الله، عاد إليه الخير أضعافًا مضاعفة.

كيفية حساب الزكاة

تُحسب الزكاة وفق خطواتٍ بسيطةٍ يعتمدها الفقهاء والمحاسبون الشرعيون:

  1. تحديد المال المراد تزكيته: كالذهب، أو الفضة، أو النقد، أو عروض التجارة، أو الأنعام.
  2. معرفة النصاب: الاطّلاع على قيمة الذهب أو الفضة حسب الأسواق المحلية لمعرفة الحد الأدنى الذي يبدأ عنده وجوب الزكاة.
  3. حساب الوقت (حولان الحول): إذا مرّ عامٌ هجريٌّ على امتلاك المال وتوفّر النصاب، وجب دفع الزكاة.
  4. تحديد نسبة الزكاة: في الغالب تكون 2.5% في الأموال النقدية وعروض التجارة والذهب والفضة، بينما تختلف في الزروع والأنعام تبعًا لظروف السقي أو نوع الحيوان.
  5. إخراج المبلغ لمستحقيه: الحرص على توزيع الأموال في القنوات المخصصة، أو عبر الجهات الخيرية الموثوقة التي تصل للمحتاجين بطرقٍ منظّمةٍ وعادلة.

دور المؤسسات الخيرية والجهات الرسمية في جمع الزكاة

أدّى تعقّد الحياة المعاصرة وكثرة الحالات المحتاجة إلى ظهور مؤسساتٍ خيريةٍ ولجانٍ رسميةٍ مختصّةٍ بإدارة شؤون الزكاة وتنظيم جمعها وتوزيعها. وتوفّر هذه الجهات قاعدة بياناتٍ للفقراء والمحتاجين، كما تُطبّق معايير دقيقة لضمان وصول الزكاة إلى مستحقيها الفعليين. فضلًا عن كونها تساعد في توعية المجتمع بأهمية هذه الفريضة وشرح آلية احتسابها والإجابة عن التساؤلات الشرعية والمالية المتعلقة بها.

ومن أبرز الفوائد التي تقدّمها هذه المؤسسات:

  1. إحصاء المستحقين بدقّة: مما يقلّل من ظاهرة استغلال أموال الزكاة في غير وجهها.
  2. توجيه الأموال حيث الحاجة: التركيز على المناطق الأقلّ دخلًا أو الأكثر تضرّرًا في المجتمع.
  3. تحقيق الشفافية والمصداقية: يُصدرون تقارير ماليّة حول المبالغ المجموعة وكيفية توزيعها، مما يشجّع مزيدًا من المسلمين على الالتزام بهذه الفريضة.
  4. التعاون مع الحكومات: قد تضع بعض الدول أنظمةً قانونيةً لإدارة شؤون الزكاة، فيتضافر الجهد الرسمي والمجتمعي لرفع المعاناة عن الفقراء.

الأثر الاجتماعي والاقتصادي للزكاة

لا تقتصر فوائد الزكاة على الجانب الفردي لدى المسلم، بل تترك بصمةً واضحةً في حياة المجتمعات الإنسانية:

  1. الحدّ من ظاهرة التشرّد والفقر: فمن خلال توزيع نسبةٍ من أموال الأغنياء على المحتاجين، ينحسر الفقر وتقلُّ الفوارق الطبقية.
  2. تشجيع روح المشاركة والتطوّع: عندما يلمس الأغنياء فرحة الفقراء وهم يتلقّون المساعدة، ينمو فيهم حبّ البذل والإنفاق.
  3. تقليل الجرائم: إذ يربط المختصّون الاجتماعيون ارتفاع معدلات السرقة والسطو بوجود فقرٍ مدقعٍ وبطالةٍ، فمع وجود نظام الزكاة تنخفض هذه الظواهر.
  4. تعزيز الاستقرار السياسي: بمجتمعٍ متكافلٍ يعمّه العدل، يزول الاحتقان السياسي والاجتماعي وتترسّخ الوحدة الوطنية.
  5. ترسيخ القيم الأخلاقية: كالرحمة والتعاون وحبّ الخير، مما يُنمّي في نفوس المسلمين الشعور بالمسؤولية المجتمعية.

نصائح للالتزام بإخراج الزكاة

  1. المتابعة السنوية للمال: يحرص المسلم على رصد نموّ أمواله وتدوين تاريخ امتلاكها بدقّة.
  2. الاستعانة بالجهات المختصّة: كالمحاسبين الشرعيين أو مؤسسات الزكاة الرسمية لمعرفة قيمة النصاب وطريقة احتسابها.
  3. اختيار الوقت المناسب: يفضّل البعض إخراج الزكاة في شهر رمضان رغبةً في مضاعفة الأجر، لكنّ الأهمّ الالتزام بالحول بمجرد تمامه.
  4. تنويع المصارف: فقد يرغب المسلم في إيداع جزءٍ من زكاته لدى مؤسّسةٍ خيرية، وتخصيص جزءٍ آخر للمحتاجين من الأقارب.
  5. حسن النيّة والإخلاص: فالزكاة عبادةٌ عظيمةٌ تتحقّق ثمرتها بكثرة التقرّب من الله تعالى وإحياء روح التكافل.

الخلاصة

إنّ الزكاة في الإسلام أكثر من مجرد مبلغٍ ماليٍّ يُدفع للفقراء؛ إنّها منظومةٌ تشريعيةٌ متكاملةٌ ترسّخ لقيم التكافل والتآخي والعدالة في المجتمع. وبتطبيقها تحقق المجتمعات الإسلامية توازنًا اقتصاديًا ومعنويًا، حيث يشعر كل مسلمٍ بمسؤوليته تجاه أخيه في الإنسانية. فلا غرابة أن تكون الزكاة من فرائض الإسلام الخمس، إذ تضبط الدورة المالية للمسلم وتحافظ على استقرار مجتمعه، وتؤسّس لروحٍ من العطاء والمودة بين الناس.

إنّ تعاليم الإسلام في شأن الزكاة بالغةٌ في الدقة والرقي؛ فهي تراعي ظروف الإنسان الاقتصادية، وتضع ضوابط عادلةً لكيفية جمع الأموال وتوزيعها. كما تسعى لتحقيق الاكتفاء المادي لدى المحتاجين وتحفيز الأنشطة الخيرية، ما يشكّل حلقةً من التضامن تدعم بناء الإنسان وتحمي المجتمع. ولعلّ التزامنا الحقيقي بهذه الفريضة، بنيةٍ خالصةٍ لله تعالى وإيمانٍ راسخٍ بأهميتها، سيجعل من الزكاة مفتاحًا لحلّ الكثير من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية في عصرنا.


مرجع موثوق للتوسُّع:
للاطِّلاع على مزيدٍ من التفاصيل والأحكام الشرعيّة حول الزكاة يُمكنكم زيارة الموقع الرسمي لمجمع الفقه الإسلامي

أضف تعليق